
كنتي فين؟!
تجمدت ريماس مكانها، قلبها ارتجف من حدة نبرته. لم تعهده هكذا من قبل… نبرته جافة، غاضبة، تخفي خلفها شيئًا أثقل من مجرد سؤال.
لتنظر لهُ وهي عاقده حاجبيها بتعجب من أسلوبهُ:
_في ايه يا "يونس"؟!... بتتكلم كده ليه؟!
يونس وهو يقف ويقترب منها وعاقد حاجبية بغضب:
_بتكلم كده ليه؟! لما واحد مراتهُ تنزل في نص الليل من غير ما تقولهُ! مفروض يكلمها إزاى؟!
وهي عاقدة حاجبيها بغضب من أسلوبهُ الذى لم تعهدهُ من قبل:
_أنتَ بتتكلم معايا ولا كأنك جايبني من الشارع...أنا نزلت بسرعة وأنتَ كنت نايم وملحقتش أصحيك!
ليأخذ نفسًا عميقًا وكأن أنفاسهُ كالنيران تحرق من أمامها:
_وده مبرر أنك تنزلي من غير ما تعرفي جوزك؟!
وهي تضغط على أسنانها بغضب:
_أنتَ حتى مش سألت أنا نزلت بسرعة ليه؟! حتى مش ترن تسأل أنا روحت فين!...كل همك أني نزلت من غير ما أعرفك!
وهو يزيد من قبضة يديه بغضب، وعينيه كأنها تخرج شرار، وهو يعقد ذراعيه:
_وايه بقى اللي نزلك من غير ما تعرفي جوزك؟!
وهي تزفر نفسًا عميقًا فهي على وشك الأنفجار من أسلوبه:
_كنت في المستشفي...(وتزفر بحزن) وأختي عملت عملية!
لكن يونس لم يزح نظره عنها، بل ازداد صوته جفاءً:
_أيوه تنزلي برضو من غير ما تقولي لجوزك ولا كأني هوا!
صرخت بصوت مخنوق:
_بقولك اختي عملت عملية... محسسني كأني بقولك كنا بنعمل شوبنج!
وهو يزفر وينظر في الأتجاه الأخر، ويعاود النظر لها وهو عاقد شفتيه:
_وعملت عملية ايه؟!
وهي تضغط على أسنانها بضيق:
_نفس العملية اللي عملتها!
وهو يأخذ نفسًا بسخرية:
_وأنتِ مضايقة ليه؟!... ما هي عندها "عادل" و "لينا"!
تسمرت نظراتها عليه بصدمة، همست مرتجفة:
_ايه اللي أنتَ بتقولهُ ده؟!... بقولك عملت نفس عمليتي!
🥰✨🖋بقلم شروق فتحي🖋✨🥰
وهو يرفع جانب شفتيه بسخرية:
_مش أختك دي هي اللي كانت عايزاكي تتطلقي مني! وتتجوزي علشان تخلفي!... ايه فاكراني عبيط مش فاهم أختك؟!
وهي تسند على الحائط من صدمتها كيف يشمت في اختها هكذا:
_أنتَ أكيد مش طبيعي...أنتَ شمتان في أختي؟!
وهو يقترب منها ويمسك ذراعها بعنف وكأن عينيه تتحولان إلى سهام من نار:
_أسمعي "يونس" بتاع زمان أنتهى الطيب ده أنسى، ومن هنا ورايح في أسلوب تاني...ولو فكرتي تعصيني هطلقك عادى وأتجوز في ساعتها.
سقطت الكلمات كالصاعقة عليها، وانشطر قلبها بلا رحمة. صاحت بصوتٍ مختنق:
_يي.."يونس" ايه اللي أنتَ بتقول ده؟! أنتَ نسيت أنا عملت ايه علشانك...وضحيت بكل حاجه علشان بحبك(انهمرت دموعها كما لو أن كل قطرة نار، ودفعت بقبضتها على صدره بقهرٍ موجع، ثم علا صوتها قائلة بغضب) في الأخر تقولي كده! دي أخرتها!
ضحك يونس بسخرية مرة، وصوتهُ يقطر جفاءً:
_ضحيتي!..أنتِ كل يوم كنتي بتجرحيني بكلامك...وأتعالج يا "يونس" ولا كأنك بتحطي سكين في قلبي وتضغطي عليه!...وأنا خلاص جبتي أخرى...من اللي وجع اللي أنتِ كل شويه تحسسني بي شوفتي ربنا عمل فيكي ايه؟!
ارتعشت قدماها، وكأن الأرض انسحبت من تحتها، فاستندت إلى الحائط محاولة أن تحمي بقاياها من السقوط. همست بصوت مخنوق:
_ياااا كل ده في قلبك...أنا إزاى كنتي ساذجه كده(ثم أطلقت ضحكة ساخرة من بين دموعها) على كده بقى لو فعلًا كان العيب مني كنت مش أتردد في الجواز عليا...ده طبعًا لو مكنتش طلقتني قبل ما تتجوز!
ابتسم بابتسامة ساخرة، وعينيه تلمعان بالكره:
_ومين قالك أني دلوقتي مش هتجوز...أنا فعلًا هتجوز وفي كذا طريقه أقدر أخلف بيها!
ضغطت ريماس على أسنانها، واعتدلت في وقفتها محاولة أن تُخفي ارتجافها، بينما أنفاسها تتعالى:
_كويس أن ربنا كشفلي حقيقتك...أنا فعلًا كنتي غبية ووقفت قدام الكل وقولت هفضل معاك...أنا مش عارفه كنت مستحملك على ايه وأنتَ فاكر نفسك بقى كده راجل وكل هيصقفلك...(لتكمل وهي تنظر لهُ باشمئزاز، وصوتها يرتجف بالغضب) تعرف وانا بصالك قرفانه انا كنت عايش مع واحد زيك إزاى؟!
انقضّ عليها يونس، وأمسك ذراعها بعنف وهو يفتح الباب، ومن ثم دفعها للخارج:
_أطلعي برا...مش عايز أشوفك تاني!
ريماس وهي تحاول مقاومتهُ، ولكنها لم تقدر على المقاومة وتعثرت قدماها، وكادت تهوي من على السلم، لولا أن والدتها كانت بالمرصاد، أمسكتها من الخلف لتسندها. نظرت له والدتها بعيون تتقد بالنار:
_أنتَ أتجننت ايه اللي أنتَ بتعملهُ بعد ما أستحملت قرفك عايز ترميها من على السلم(ثم أكملت بلهجة ساخرة تمتلئ بالشمئزاز) بس هنستنى ايه من راجل خاين!
ليشتعل غضبًا بعد تلك الكلمات، ليصرخ فيها:
_أنتِ وبنتك مش عايز أشوفكم تانى...يلا!
أمسكت بابنتها التي كانت تبكي بانهيار، وأخذتها ونزلت، وهي تضمها إلى صدرها بحنان:
_أهدى يا حبيبتى...ربنا كشفلك حقيقته!
لكن ريماس لم تستطع التماسك، احتضنت والدتها أكثر، ودموعها تنهمر كالسيل:
_يبقى دي أخرتها يا ماما...بعد كل اللي عملتهُ علشانهُ يعمل فيا أنا كده؟!
وهي تربت على ظهر ابنتها بحنان، وقالت بصوت هادئ يملأه الإيمان:
_عمرك ما تزعلى على حاجه يا حبيبتى ولا تندمي...أنتِ علشان كنتي بتعاملي بيما يرضى الله فحمدي ربنا إن ربنا كشف لينا حقيقتهُ!
وهي تمسح دموعها، وصوتها يرتجف:
_ده كويس أنك لحقتيني يا ماما، دانا كان ممكن أقع من على السلم!
وهي مازالت واضعة يدها على ظهرها بحنان:
_ده ربنا اللي بعتني ليكي...أنا كنت ناويه أجى معاكي علشان كنت اكلمهُ وأشوف في ايه بينكوا اللي مزعلك قولت بالمره وأنا بجيب الدوا من الصيدلية اللي قريبه منكم...يشاء ربنا أن أوصلك في اللحظة دي علشان الحقك الحمدلله كنا مخدوعين فيه!
لتمسح دموعها وأنفاسها تتعالى بإنتقام:
_لو مش لفتتهُ في المحاكم مش ابقى أنا "ريماس"!
ومرّت الأيام، واتجهت ريماس لتقديم قضية خلع في المحكمة؛ كانت تصبو بأفعالها أن تجرحه أكثر. وكانت شقيقتها جالسة إلى جانبها تشد من أزرهــا:
_يا بنتي كنتي رفعتي طلاق أحسن ليكي...علشان تاخدي نفقتك!
تنفست ريماس بعمق، ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ ساخرة، وقالت بثقة متعالية:
_يا بنتي مفيش حاجه توجع راجل أكتر من هو يتخلع، لكن لما يطلقني مش هتكون اهانه لي!...بس عارفه أنا مش مسامحه أى حد جه عليا...وسايبه أمرى لربنا ياخد حقى منهم واحد واحد.
في الجهة الأخرى كان يونس عندما أُرسل اليه أن هناك قضيه خلع رفعت عليه ليضغط على ورقة بقوة:
_بقى انا ترفع عليا قضيه خلع يا ماما؟!
سِهام بتتدخل وهي تبتسم بسخرية:
_كده مش هتاخد حاجه...لكن لو أنتَ اللي طلقتها هتاخد نفقة وتقولك شقة من حق الزوجه وغيرهُ...دانتَ كده أنتصرت!
لينظر لها بابتسامة ماكرة، رغم أن كرامته كانت تنزف من أثر القضية:
_بس عندك حق...
قبل أن يكمل حديثه، صرخت سهام فجأة، وهي تمسك بطنه:
_بطنيييي!
هرع سليمان إليها، حملها بذعر، واتجه مسرعًا إلى المشفى. وقف أمام باب الغرفة، وصوته يرتجف:
_يا ترى مالها يارب عديها على خير!
لم تمضِ لحظات طويلة حتى خرج الطبيب، جبينه يتصبب عرقًا:
_أحنا عملنا فحوصات الازمه...وإن شاء الله خير!
ويذهب محاولًا الهروب من أى سؤال، سليمان وهو ينظر ليونس:
_قلبي مش مطمني أنتَ مش شوفت دكتور متوتر إزاى؟!
ربت يونس على ظهره محاولًا تهدئته:
_خير إن شاء الله!
لكن الساعات مرّت ثقيلة، حتى خرج الطبيب أخيرًا، ملامحه تحمل وطأة ما سيقول. صمت لحظة، ثم أسقط كلماته كقنبلة:
_للأسف الشديد مدام حضرتك(ليصمت ثواني قبل أن يدوى بتلك القنبلة) عندها سرطان على الكبد...وللأسف الحالة متأخره!
تجمد سليمان في مكانه، وكأن الكلمات هوت عليه كصاعقة، أفقدته أنفاسه.
لتمر سنه وبالفعل تم صدور الحكم لصالح ريماس، كانت جالسة ريماس على سريرها بسعادة وهي تحمد ربها، وتنظر لشقيقتها:
_ربنا جبلي حقى في السنه دي... أنا عمرى ما أشمت في مريض بس زي ما أنتِ شايفه أم "يونس" جالها شلل نصفي،...و"سِهام" ربنا يعفينا جالها مرض الوحش قال ايه كانوا عايزني أسامحهم،(لكن لم تمنع الحزن على ذلك الحب) و"يونس" مش بيطلع من المستشفى لما جه ياخد العلاج عملهُ تسمم في الدم وتايه في المستشفيات...ربنا مش بيسب حق حد!
لكن عينَيها، رغم انتصارها، غرقتا في بقايا الحزن، وهي تهمس لنفسها:
_فكيف تكون تلك نهاية هذا الحب؟! كيف يخذلك من أحببت بتلك الطريقة؟! ما كان يُقال كان مجرد كلمات بدون مشاعر، فما أسوء شعور الخذلان من مَن اعطتيهُ كل الحب.
تمت بحمد الله