
ارتسمت على وجهها ابتسامة لا تحمل سوى الشر، وكأنها أفعى وجدت فريستها أخيرًا:
_أحنا مش هنسبها غير لما تستسلم... وتطلق!
في الجهة الأخرى، كانت ريماس بين أحضان والدتها، تبكي بحرقة كأن الدموع تغسل ما تبقى من صبرها.
وضعت الأم يدها على شعر ابنتها تمسده بحنان، بينما قلبها يتفتت لرؤيتها بهذا الضعف:
_اهدّي يا حبيبتي… اللي كاتبه ربنا هو الخير. يمكن يكون ابتلاء، لكن عمره ما هيكسرنا.
رفعت ريماس رأسها بوجهٍ شاحب وعيون منتفخة من البكاء:
_ماما… الدكتور قال إن عندي أورام… ولازم أعمل عملية… وممكن…(اختنق صوتها بالعبرات)مش هعرف يا ماما اكون أم...وأنا في سن ده هتحرم من أهم حاجة بتتمناها أى بنت!
شهقت الأم بحرقة، ودموعها انسابت رغمًا عنها، لكنها حاولت تماسك نفسها وهي تضغط على يدي ابنتها بقوة:
_ده نصيب يا حبيبتى...وربنا مش هيكتب لينا حاجة الا ولينا فيها الخير ممكن كان في حاجه كبيره هتحصل...وربنا خفف لينا المشكله دي...فعمرك ما تزعلى على حاجه ربنا كتباها لينا...بل بالعكس أحمدي ربنا عليها!
نظرت إليها ريماس بعينين غارقتين في الدموع، كأن كلمات والدتها سلّت خنجرًا من قلبها لكنها تركت جرحًا ما زال ينزف.
همست بصوتٍ مبحوح:
_الحمدلله بس أنا خايفه يا ماما...تفتكرى ممكن "يونس" يبعد عني...هو ساعتها هيكون حقه أن هو يكون أب!
سكتت الأم لثوانٍ، ثم رفعت كفها لتمسح دموع ابنتها بحنان، وهي تقول بحزمٍ ممزوج بالحب:
_مستحيل "يونس" يعمل معاكي كده! أنتِ ناسيه لما كان المشكله من عندهُ أنتِ عملتي ايه؟! ولو هو عمل كده يبقى ربنا كان بيظهر ليكي حقيقتهُ!
وفي تلك اللحظة، جاء صوت طرقٍ خافت على الباب… وصوت يونس من الخارج:
_ممكن أدخل؟
ليدخل يونس وهو يقترب من ريماس، ويربت على يدها بحنان:
_أنتِ لسه بتعيطي؟! يا حبيبتى ده نصيب أحنا نقول الحمدلله على كل حال...وأكيد ده خير لينا!
حاولت أن تتمالك دموعها، لكن غصّةً خانقةً علقت بصدرها، ثم أعادت النظر إليه بعينين تائهتين، وتلعثمت:
_"يييونس" هو أنتَ ممكن في يوم تسبني؟!
ليعقد حاجبيه وهو يربت على يدها بحنان أكثر:
_ايه اللي أنتِ بتقولي ده يا بنتي...أنا مستحيل أتخلى عنك دانا لو هبعد عن ناس كلها أنتِ حاجه تانية أنتِ نبضي اللي بعيش بي!
🥰✨🖋بقلم شروق فتحي🖋✨🥰
لتتدخل والدة ريماس بمزاح محاول تهدئة الجو:
_أنا موجوده ولا نستوني؟!
فضحكت ريماس أخيرًا، بينما ابتسم يونس لوالدتها قائلًا:
_هو أنا أقدر!
وفي تلك اللحظة، طرق الباب، لتجد ريماس شقيقتها أمامها، لكن والدتها أسرعت إليها وهمست بجوار أذنها:
_أوعى تقولي أى كلمة تضايقها...فاهمه أقصد ايه!
لتنظر لها ريماس بتعجب:
_في ايه يا ماما؟!
شقيقتها بابتسامة:
_مفيش يا حبيبتى...بس ايه القمر ده؟!
وما هي إلا دقائق حتى سُمع طرقٌ على الباب، فدخل الطبيب وهو يأخذ نفسًا عميقًا، قبل أن يقول بجدية:
_طيب أحنا دلوقتي مينفعش نتأخر على العملية أكتر من كده...لازم نعملها في أسرع وقت!
لينقبض قلب ريماس بشدة، فالتفت يونس نحو الطبيب، وهو يمسك بيدها محاولًا تهدئتها:
_خلاص يا دكتور...نقدر نعملها على الصبح!
ليهز الطبيب رأسه بالإيجاب:
_تمام!
في الجهة الأخرى كانت سِهام مع والدة يونس في طريقهم إلى المشفى، سِهام بخبث:
_و"يونس" مش قالك يا ماما هي عندها ايه؟!
وهي ترفع جانب شفتيها بضيق:
_هنشوف يا ختى لما نروح...تفتكرى هيكون بسبب اللي أحنا عملنا؟!
قهقهت سِهام باستهزاء، وزفرت ابتسامة ساخرة:
_وأحنا مالنا...أحنا عملنا بأن بيتها يبوظ وعلاقتها تبوظ مع "يونس" ومش يكون لها عدله!
وهي تضع يدها خلف رأسها:
_وده ايه يا ختى!
لكن سِهام اكتفت بابتسامة خبيثة وهي ترفع حاجبيها:
_ماما هنعرف كل حاجه دلوقتي!
في الجهة الأخرى، كانت ريماس جالسة تتحدث مع من حولها، لكن قلبها كأنه بين قطبين من الأسوار يزدادان إحكامًا عليه.
وفجأة، سُمع طرقٌ على الباب، فعقدت ريماس حاجبيها بتعجّب، بينما نهض يونس متجهًا ليفتح:
_أتلاقيها ماما!
اتسعت حدقتا ريماس من الصدمة، فهي أكثر امرأة تخشى شماتتها. وما هي إلا ثوانٍ حتى انكشف الشك من اليقين… لتجدها بالفعل والدة يونس تدخل بصحبة سِهام.
تقدّمت والدة يونس نحوها بسرعة، واحتضنتها وهي تقبّلها:
_ألف سلامة يا حبيبتى...انا أول ما عرفت أنك تعبتى جيت جرى علشان أشوفك يا حبيبتى!
وسِهام بادلتها نفس النبرة المزيّفة، بابتسامة ماكرة:
_دانا أموت فيها لو يحصلك حاجه يا حبيبتى...أنتِ مش عارفه معزتك عندى قد ايه!
ريماس وهي تزفر بضيق، محاولة تمالك أعصابها:
_وليه تتعبوا نفسكوا أنا كويسه الحمدلله!
سِهام، وقد علت نبرتها تساؤلاتٍ زائفة، كأفعى تتسلل بين الكلمات:
_مالك يا حبيبتى ايه اللي حصلك؟!
وقبل أن يفتح يونس فمه للرد، سارعت ريماس بلهفة، كأنها تدافع عن نفسها:
_مفيش بطني وجعتني شويه...بس الحمدلله عديت على خير!
التفت إليها يونس باندهاش، حاجباه معقودان، وعيناه تبحثان في ملامحها عن الحقيقة التي تخفيها.
سِهام وقد شعرت أن هناك أمر تخفيه ريماس:
_وهتمشي أمتى يا حبيبتى؟!
وهي تبلع ريقها بتوتر:
_مش عارفه لسه...أصل دكتور قال لازم نعرف ايه كان سبب تعب...فهفضل بس تحت ملاحظة!
عندها تبادلت والدة يونس مع سِهام نظراتٍ خاطفة، وكأنها إجابة صامتة عن أفكارٍ تدور في رأسيهما معًا، لتبتسم والدة يونس لها:
_اه...طيب ألف سلامة يا حبيبتى!
التفت يونس نحو سِهام بنبرةٍ هادئة تحمل في طياتها تساؤلًا خف:
_هو فين "سليمان" صحيح؟!
ابتسمت سِهام ابتسامةً صغيرة وهي تجيب بتصنّع:
_معلشي أنتَ عارف أن هو بيجي من الشغل متأخر... وقال لما يجي ياخدنا هيطلع يشوف "ريماس"!
ومع مرور الوقت، حضر سليمان ليطمئن على ريماس قليلًا، ثم انصرف هو وسِهام ووالدة يونس.
ساد الصمت الغرفة لبرهة، قبل أن يلتفت يونس نحو ريماس بعينين يملؤهما التساؤل، وقال بنبرةٍ هادئة تحمل استغرابًا:
_أنتِ خبيتي على ماما ليه؟!
أخذت ريماس نفسًا عميقًا، وقلبها يعتصر من الداخل وهي تهمس بصوتٍ متهدّج:
_معلشي يا "يونس" مش حاسه أن ده الوقت المناسب...مش عايزه أعرف حد دلوقتي!
ليأخذ نفس عميق متفهمًا شعورها:
_ماشي يا حبيبتى اللي يريحك!
مع بزوغ الصباح، دخل الممرضون إلى الغرفة ليأخذوا ريماس إلى العملية.
تعلّقت بيد يونس بشدة، وعيناها تلمعان بالخوف:
_أنا خايفه...مش تسبني يا "يونس"!
ضغط يونس على يدها بقوة، وكأنما يتمسك بروحها:
_كل حاجه هتكون كويسه...مش تخافي يا حبيبتى...هتطلعي لينا وهتكوني زي فل إن شاء الله!
لكن يدها أفلتت من بين أصابعه شيئًا فشيئًا، فيما كان الممرضون يبعدونها عنه.
التفتت تنظر إليه نظرة وداعٍ صامتة، ويونس ظل يحدّق بها، وقلبه كأنه يُنتزع من صدره، حتى غاب طيفها عن ناظريه رويدًا رويدًا...
أسند يونس ظهره إلى الحائط، ثم هوى ببطء حتى استقر جالسًا على الأرض.
غطّى وجهه بكفيه، وأنفاسه تتعالى في اضطراب، بينما يخفق قلبه بقوة تكاد تُمزّق صدره.
كان شعوره ثقيلًا، وكأن تلك اللحظات قد تكون آخر ما يجمعه بريماس… آخر خيط يربطه بنبضها.
مرّت الساعات وكأنها دهور، كل دقيقة فيها أثقل من جبل، حتى فُتح الباب أخيرًا وخرج الطبيب من غرفة العمليات.
هبّ يونس واقفًا بسرعة، قدماه تتداخلان في بعضهما وكأنهما لا تقويان على حمله، وأنفاسه مضطربة وهو يهتف:
_طمني يا دكتور؟!
توقف الطبيب أمامه، نزع الكمامة عن وجهه ببطء، ونظر إلى يونس بعينين مرهقتين تحملان:
يتبع