
هبّ يونس واقفًا بسرعة، قدماه تتداخلان في بعضهما وكأنهما لا تقويان على حمله، وأنفاسه مضطربة وهو يهتف:
_طمني يا دكتور؟!
توقف الطبيب أمامه، نزع الكمامة عن وجهه ببطء، ونظر إلى يونس بعينين مرهقتين، قبل أن يقول بنبرة جادة:
_أحنا عملنا اللي علينا...لكن الاربعه وعشرين ساعه دول أهم حاجة، يعدوا وكل حاجه هتكون كويسه إن شاء الله...لأن أحنا لو كنا أتأخرنا أكتر من كده الله أعلم كان ممكن يحصل ايه...هي دلوقتى محتاجه دعواتكم!
هزَّ يونس رأسه بتوتر، وصوته يخرج متقطّعًا:
_تمام… شكرًا يا دكتور!
ثم ابتلع ريقه بصعوبة، وكأن الكلمات خرجت منه رغمًا عنه، بينما عينيه ما زالتا معلقتين بباب غرفة العمليات.
وما إن ابتعد الطبيب، حتى أرجع يونس ظهره للخلف مستندًا إلى الحائط، رفع عينيه نحو السماء قبل أن يُغمضهما في انكسار، وقلبه يناجي ربه في صمتٍ موجوع:
_يارب…رجعهالي بالسلامه...أنا مليش غيرها....
شرد يونس في دعائه، قبل أن يربت والد ريماس على كتفه بصوتٍ قلق:
_الدكتور طلع ولا لسه؟!
انتفض يونس من شروده، وحدّق فيه بعينين تائهتين وهو يهمس:
_الدكتور قال الاربعه وعشرين ساعه دول أصعب حاجه...ومش قدامنا دلوقتي غير الدعاء!
في الجهة الأخرى كانت سِهام جالسة مع والدة يونس وهي تحرك يدها على ذقنها بتفكير ماكر:
_بصراحه أنا حاسة يا ماما أنهم مخبين علينا حاجه؟!
بادلتها والدة يونس نفس النبرة الماكرة، وهمست بخبث:
_وأنا برضو...مش شوفتي البت أتوترت إزاى لما سألتها مالك!
🥰✨🖋بقلم شروق فتحي🖋✨🥰
تدخلت هناء بنبرة تحمل الضجر والتذمر:
_يعني يا خالتو...دلوقتي هنخلص منها أمتى؟!
زفرت سِهام بضيق وهي تحدّق بها:
_قريب يا "هناء"...بس أنا عايزة دلوقتي أعرف ايه اللي مخبيه علينا!
جعدت والدة يونس شفتيها بتفكير عميق، قبل أن تقول بنبرة متحايلة:
_طيب ارن على "يونس" وأحاول أوقعهُ في الكلام...أكيد دلوقتي هو في الشغل وهنعرف نتكلم مع!
ارتسمت ابتسامة ماكرة على وجه سِهام وهي تومئ بحماس:
_أيوه صح... يلا بسرعة رني عليه!
أخرجت والدة يونس هاتفها بسرعة، وضغطت على زر الاتصال، مرّت الدقائق بطيئة دون أن يجيب.
قطعت سِهام الصمت بضيق:
_رني لحد ما يرد!
أعادت المحاولة مرة تلو الأخرى، حتى جاء أخيرًا الرد، وصوت يونس بدا متعبًا، يعلوه بحة واضحة:
_نعم يا ماما...معلشي مش سمعت التليفون!
ابتسمت والدة يونس ابتسامة خبيثة حين أجاب أخيرًا، لكنها لم تفُتها نبرة صوته المبحوحة، وكأن خلفها ما يُخفيه:
_مال صوتك يا حبيبي؟!
كان يونس على وشك أن يبوح، لكنه تذكّر وصية ريماس، فابتلع كلماته سريعًا:
_مفيش يا ماما...كنت نايم بس!
لترفع حاجبيها بتعجب ممتزج بخبثٍ واضح:
_ليه؟!...انتَ مش في الشغل؟!
وهو يأخذ نفسًا عميقًا:
_لأ هسيب "ريماس" إزاى!
التفتت حوله كأفعى تحاول استدراجه أكثر، وقالت بصوتٍ متصنع:
_مش هي قالت أن بطنها كانت تعباها شويه!...يعنى حاجه بسيطه!
ابتلع يونس ريقه بتوتر، محاولًا أن يتماسك حتى لا ينكشف أمره:
_أيوه ما هو أحنا مستنين نتيجه التحليل... ودكاتره برضو قالوا لازم تفضل تحت ملاحظة!
زفرت والدته نفسًا عميقًا ممتزجًا بالضجر، وقد خيّب آمالها في أن توقعه بالكلام:
_وشغلك يا حبيبي؟!
شد يونس على قبضته، وصوته خرج ثابتًا رغم اضطرابهُ:
_هاخد أجازه...أهم حاجة "ريماس"!
وما إن أغلقت والدة يونس الهاتف، حتى التفتت لتجد سِهام تحدّق فيها بابتسامة شريرة ارتسمت على محياها. عقدت والدة يونس حاجبيها بتعجّب وهي تسألها:
_ايه سر الابتسامة دي؟!
أجابت سِهام بصوتٍ مغمور بالدهاء، والابتسامة ما زالت تكسو ملامحها:
_أنا عارفه هعمل ايه...أصل أنا مش هسيبها كتير مخبيه علينا في ايه...وأنا عرفت هنعمل ايه!
قهقهت هناء وهي تنظر إلى سِهام بنبرة ساخرة ممزوجة بالإعجاب:
_عارفه يا سِهام...أنا بحمد ربنا أن أنا في صفك...وأن انا مش عدوتك كنت روحت في خبر كان!
ارتسمت على وجه سِهام ابتسامة أكثر خبثًا، وأجابت بثقة باردة:
_علشان تعرفي اللي بيقف قدامي بيحصله ايه!
في الجهة الأخرى، كانت الساعات تمر على يونس كأنها دهور، وقلبه يخفق بخوف لا يهدأ، لا يملك سوى أن يرفع يديه بالدعاء، راجيًا من ربه أن تمر تلك المحنة على خير.
وما إن انقضى الوقت أخيرًا، حتى رأى الممرضين يخرجون بــريماس من العناية المركزة، لينقلوها إلى غرفتها. اقترب منها بخطوات متسارعة، عيناه غارقتان في القلق والحنان، مدّ يده يملس على شعرها برفق، ثم انحنى وهمس بحبٍّ يختلط بأنفاسه المرتجفة:
_حمد لله على سلامتك يا حبيبتي!
لكن… لم تدم تلك اللحظات طويلاً. طرقٌ مفاجئ على الباب قطع السكون، لتنهض شقيقة ريماس وتفتحه.
وما إن انفتح الباب، حتى انحبست الأنفاس… فقد كانت سِهام واقفة، وابتسامة غامضة ترتسم على محياها.