
حاولت ريماس السيطرة على أنفاسها المتقطعة، وتمتمت بصوت واهن:
_مش عار.....(لكنها لم تُكمل، إذ صرخت فجأة بألمٍ يمزّقها) بطنييي.....
ارتبك يونس، وعيناه تتسعان في ذهول، صوته يرتجف:
_في ايه مالك؟! ايه اللي حصل؟!
لم تجبه، فقد غطّى صراخها المتألم على كل شيء، ليتحوّل يونس إلى كتلة شتات، لا يعرف ماذا يفعل سوى أن يحملها بين ذراعيه مسرعًا.
اندفع يركض بها خارج المنزل، يقود سيارته بأقصى سرعة.
وما إن وصل إلى المشفى، حتى هرع الممرضون إليه، وانتزعوها من بين يديه بسرعة، بينما هو يقف مذهولًا يضع يديه على قلبه بخوف:
_أستر يارب!
مرت لحظات بدت له دهورًا، حتى خرج الطبيب، ونبرة صوته جادّة لكنها مطمئنة قليلًا:
_الحمد لله، قدرنا نسيطر على الموقف مؤقّتًا… بس لازم نعمل شوية تحاليل ضرورية عشان نعرف سبب الألم اللي جالها.
هزَّ يونس رأسه بإيجاب، محاولًا أن يُظهر بعض الثبات، لكن قلبه كان يدق بعنفٍ وكأنه يُصارع صدره من شدّة القلق والخوف عليها.
ابتعد الطبيب بخطوات سريعة، تاركًا يونس واقفًا في مكانه كأن الأرض ابتلعته، والمكان يدور به، ليغرق في دوّامة من الأفكار السوداء التي لا ترحم.
أخذ يونس نفسًا عميقًا، محاولًا الهروب من دوّامة الأفكار التي تكاد تخنقه، ثم اتجه بخطوات متسارعة نحو الغرفة التي ترقد فيها ريماس.
فتح الباب ببطء، ليجدها مستلقية على السرير، وقد عُلّقت لها المحاليل، وملامح الإرهاق بادية على وجهها الشاحب.
ابتلع ريقه بصعوبة، ثم رسم ابتسامة صغيرة محاولًا أن يبث في قلبها بعض الطمأنينة:
_بقيتي أحسن؟!
هزّت ريماس رأسها بإرهاق، وهمست بصوت خافت:
_الحمد لله!
جلس يونس إلى جوارها، يربّت بكفّيه على يدها بحنان، وصوته يقطر رجاءً وقلقًا:
_كل حاجه هتكون كويسه إن شاء الله...ممكن كلتى حاجه صلاحية بتاعتها خلصانه مش أكتر!
أومأت ريماس برأسها في إنهاك، محاولة تصديق كلماته، لكن قلبها لم يطمئن. كانت تكاد تسمع صوت نبضاتها يتعالى في صدرها، وأنفاسها تتلاحق كأنها في سباقٍ مع الخوف.
🥰✨🖋بقلم شروق فتحي🖋✨🥰
بعد مرور ساعات، طرق الطبيب باب الغرفة ودخل بخطواتٍ متثاقلة، ملامحه لا تبشّر بالخير. أخذ نفسًا عميقًا قبل أن ينطق، وكأنه يبحث عن الكلمات المناسبة:
_حضرتك مش انجبتي قبل كده صح؟!
لتعقد حاجبيها بخوف، وردّت بصوتٍ مرتجف متقطع:
_أيوه...ليه؟!
أغمض الطبيب عينيه للحظة، ثم أطلق زفرة ثقيلة قبل أن ينطق بالحقيقة:
_للأسف… لقينا أورامًا ليفيّة كبيرة على الرحم. والحالة خطيرة… ولازم نستأصل الرحم فورًا. كل دقيقة تأخير بتزود الخطر، ونسبة نجاح العملية هتقل!
فتحت ريماس فمها من هول الصدمة، عيناها اتسعتا كأن صاعقة هوت على رأسها، وتلك الكلمات نزعت روحها معها.
أما يونس، فبدا كأن أذنيه لم تستوعبا ما سمع، أو بالأصح عقله يرفض أن يصدق:
_معلشي حضرتك قلت ايه؟!
أخذ الطبيب نفسًا عميقًا، وعيناه تمتلئان بالأسف:
_عارف إن كلامي صعب وصدمة كبيرة… لكن للأسف دي الحقيقة. أي تأخير هيأثر بالسلب جدًا… وكل دقيقة بتمر بتقلل من فرص نجاح العملية.
في الجهة الأخرى، كانت والدة يونس تتحدث مع سِهام عبر الهاتف، وصوتها مليء بالقلق:
_يا بت يا "سِهام" أحنا مش سمعنا أى حاجه لحد دلوقتي؟!
جاءها صوت سِهام هادئًا، يملئهُ ثقة:
_يا ماما مش تخافي...وبعدين اللي اسمها "عجفاء" دي مش سهله دي ست هي اللي خاربه نص بيوت مصر...قولي أسمها بس في مكان هتلاقي الكل بيجرى منك!
سكتت الأم قليلًا، ثم قالت بارتباك وهي تحرك يدها على ذقنها:
_بس عملتيها إزاى يا بت؟! أنا لحد دلوقتي مش مستوعبه إزاى جبتي من عندها بلوزه من غير ما تحس!
قهقهت سِهام ضاحكة بثقة شيطانية:
_دي أقل حاجه عندى يا ماما...كويس أني لما دخلت الحمام لقيت ليها لبس...كنت خايفه أني مش الأقى ليها حاجه...ولا لما خدتها وحاطتها في شنطه وطلعت...قلبي كان هيقف لتشوفني!
قهقهت والدة يونس بسخرية، وقالت بتهكم:
_أنتِ تخافي أنتِ! ده أبليس هو اللي يخاف منك....(ثم ارتعشت شفتاها وهي تستعيد المشهد في رأسها) أنا كنت مرعوبة من عجفاء دي أوي!
فلاش باك
كانت والدة يونس ممسكة بذراع سِهام بخوف، أصابعها تنغرس في لحمها:
_ايه المكان اللي أنتِ جايبانا في ده...وفي وسط المقابر الله يخربيتك يا شيخه!
سِهام حاولت التخلص من قبضتها وهي تتقدم بخطوات ثابتة:
_يا ماما مش تخافي يلا احنا وصلنا!
اقتربوا من باب خشبي عتيق، وحين همّوا بطرقه، ظهر أمامهم فجأة رجل، فصرخوا معًا من هول المفاجأة:
_ايه يا عم خضتنا!
كان الرجل يرتدي عباءة ممزقة، شعره مبعثر، والتراب يكسو ملابسه ووجهه الغامض.
حدّق فيهما بعينين غائرتين، ثم تمتم بصوتٍ مبحوح:
_أنتِ ست سِهام؟!
ابتلعت ريقها وهزّت رأسها بتوتر:
_أ...أيوة!
أومأ الرجل، ثم دفع الباب ببطء، مُشيرًا لهما بالدخول.
تقدمتا بخطوات مرتعشة، وإذا بالمكان يلفّه الظلام الكثيف، والدخان يتصاعد من مبخرة ضخمة في الوسط، حتى كاد يخنق أنفاسهما…
جلسوا على كرسيين قديمين، وأطرافهم ترتجف من التوتر، وفجأة أحسوا بيدٍ باردة تُطبق على أكتافهم.
صرخوا بفزع، لتتعالى ضحكة ساخرة مجلجلة:
_جبتوا اللي قولتلكوا عليه؟!
رفعوا رؤوسهم ليجدوا أمامهم امرأة هزيلة، عيناها غائرتان تقدحان شررًا، وشعرها مبعثر ينسدل على وجهها المتجعد، كأنها خرجت من رحم الظلام.
تمتمت سِهام بصوتٍ مرتجف وهي تمد يدها بالملابس:
_أ.. أيوة يا ست عجفاء...أتفضلي!
مدّت عجفاء يدًا نحيلة مليئة بالخواتم، أمسكت الملابس، وحدّقت فيها طويلًا قبل أن ترتسم على وجهها ابتسامة شيطانية:
_كده تمام أوي...دلوقتي نقدر نعمل اللي عايزينه.
بادلتها سِهام نفس الابتسامة الخبيثة، بينما والدة يونس شعرت أن قلبها يكاد يتوقف بين الخوف والندم.
باك
ارتسمت على وجهها ابتسامة لا تحمل سوى الشر، وكأنها أفعى وجدت فريستها أخيرًا:
_أحنا مش هنسبها غير لما تستسلم... وتطلق!