
خرج الجميع ومن ضمنهم المعلمين والطالبات وأيضًا الإداريين في المدرسة لكي يذهب الجميع إلى منازلهم وقف فؤاد أمام المدرسة ينتظر خروج ابنته ريناد ولكنه انتبه على خروج الآنسة كوثر أمامه .. ولكن لتعجبه لم تلتفت إليه كأنها لم ترَه وأكملت طريقها مشيًا لكي تخرج من شارع المدرسة .. تنهد وهو يطالعها حتى خرجت من الشارع ولم ينتبه لريناد التي وقفت خلفه وتحدثت..
- بابي.
استفاق والتفت إليها يرمقها بهدوء ثم تحدث:
- إتأخرتي.
تحدثت ببساطة:
- كنت في الحمام.
- تمام.
ثم ركبا السيارة وذهبا في طريق المنزل .. أما بالنسبة لكوثر كانت تركب بين الزحام أحد وسائل مواصلات النقل العام وتلك المرة مكتظة بالطلبة وموظفين المؤسسات الحكومية ولكنها لم تكترث للزحام تلك المرة بل كل ماكان يشغل تفكيرها هو تلك الفتاة التي هربت من المدرسة لكي تقابل شابًا! .. وظلت تتساءل .. هل تعلم تلك الفتاة أنها تدمر مستقبلها بنفسها؟ هل تعلم أنها تُلقي بنفسها إلى التهلكة! .. لم تشعر بالوقت لدرجة أنها عندما وصلت إلى وجهتها شعرت أنه لم يمر سوى خمس دقائق .. نزلت حيث وجهتها وأخذت تتمشى وهي تفكر حتى توقفت أمام منزلها وهو بيت صغير في حارة شعبية بسيطة .. صعدت للمنزل ووقفت أمام شقة والدها ووالدتها وقامت بفتح الباب بالمُفتاح وعندما دخلت الشقة قامت بشم رائحة طعام والدتها الشهي وانتبهت لوالدها يجلس على أريكةٍ بسيطة يقرأ القرآن الكريم بخشوع وذلك سبب عدم إنتباهه لمجيئها ..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- صدق الله العظيم
ذلك ما قاله والدها وأغلق المصحف الشريف وطالعها بابتسامة حنونة ..
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إيه يا كوثر؟ واقفة عندك ليه؟ تعالي.
اقتربت منه ثم قامت بضمه ...
- مالك؟ شكلك زعلان؟ يومك كان مضغوط شويه؟
- لا بس في حاجة شوفتها وزعلتني.
طيب ادخلي غيري هدومك دي وصلي العصر عشان هنتغدى وبعدها نتكلم في الموضوع ده .. أومأت ودخلت غرفتها وقامت بتغيير ثيابها وارتدت ملابس الصلاة وذلك بعد أن توضأت وبعدما انتهت من آداء فرضها قامت بإرتداء منامة قطنية تُظهر نقاء بشرتها البيضاء وأطلق شعرها الأسود الطويل إلى الخلف وذهبت لكي تساعد والدتها في وضع الطعام على المنضدة وتناولت طعام الغداء مع عائلتها الجميلة التي تحمد الله عليها.
- إحكيلي بقا في إيه؟
ذلك ما قاله والدها السيد حُسني بإنصات وهو يشرب الشاي أمامها في الصالة، تنهدت بحزن ثم تحدثت:
- اليوم كان كويس الحمدلله، بس حصل حاجة ضايقتني .. أنا شوفت بنت هربت من المدرسة وقابلت شاب بس مع الأسف ماقدرتش أعمل حاجة.
- ده اللي مضايقك؟
- اه يابابا ده اللي مضايقني، محبتش إن البنت تعيش التجارب دي في السن ده هي لسه صغيرة.
- طب واحنا مالنا.
تحدثت بذهول:
- إزاي واحنا مالنا؟ مش المفروض إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال *من رأى منكم منكرا فليغيره* إزاي أسكت؟
- محدش طلب منك تسكتي .. هكملك الحديث يابنتي
"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان"
صدق رسول الله ﷺ
أردفت بارتياح:
- عليه الصلاة والسلام
- فهمتي المقصد؟؟
تحدثت بتنهيدة:
- اه يابابا فهمت .. ربنا يهديها ويصلح حالها.
- اللهم آمين.
اقتربت منهما والدتها وجلست معهما وأخذوا يدردشون في أمور حياتهم.
في اليوم التالي:
كانت كوثر تجلس في مكتبها في المدرسة تحاول مقاومة النوم لأنها لم تنم جيدًا تفكر في الفتاة التي هربت أمس لم تستطع نسيان الأمر تمامًا كان الأمر يُطاردها كالكابوس حينما كانت تَغفَل في نومها .. أغمضت عينيها لمس دقائق فقط تريد أن ترتاح ولكنها انتفضت عندما سمعت صوته..
- مساء الخير.
رفعت رأسها ورأت مدير المدرسة السيد فؤاد يقف أمامها مبتسمًا بهدوء:
- أنا آسف لو أزعجتك.
اعتدلت ووقفت تتحدث بهدوء:
- أنا اللي آسفة مكنش ينفع أنام هنا.
- لا برحتك عادي، إنتِ كويسه؟
أطرقت رأسها أرضًا ثم تحدثت بهدوء:
- اه الحمدلله.
- أول يوم عدا كويس معاكِ.
- اه الحمدلله.
كان يُطالعها وهي تنظر للأرض ويتساءل لما لا تنظر إليه؟ يريد أن يرى عسليتيها ولكنه استفاق وتحدث:
- أكيد قابلتي ريناد.
تحدثت باستفسار:
- ريناد؟
- بنتي! عرفت إنك كنتي بتديلها في الحصة إللي قبل الأخيرة إمبارح.
- ممكن أكون منتبهتش ليها .. بس انا اتعرفت على البنات امبارح ماشاء الله تبارك الله زي الورد.
ظل يُطالعها بهدوء ثم تحدث:
- هعرفك عليها في أقرب وقت إن شاء الله.
- إن شاء الله.
ظل صامتًا ينتظرها أن تتحدث قليلًا ولكنه شعر بالحرج لأنهما كانا الوحيدين في الغرفة ثم حمحم وخرج بإحراج .. اما هي أخذت نفسًا عميقًا وعادت لمكتبها وتنهدت بارتياح ..
- الحمدلله مكنش ينفع يفضل أكتر من كده ده لو فضل كمان دقيقة كنت مشيته مينفعش نبقى مع بعض لوحدنا في نفس المكان.
شعرت باحمرار خديها وعادت تضع رأسها على المكتب لعلها ترتاح قليلًا ولكن قفز ذلك الأمر إلى عقلها مرة أخرى وأردفت:
- طب ممكن تعملها تاني طيب؟
ظلت تفكر كثيرًا وقررت أنها ستراقبها اليوم لعلها توقفها وتقوم بنُصحها .. انتبهت أن موعد حصتها لذات الصف قد اقترب اعتدلت وقررت أن تتجه .. بعد انتهاء الحصة الحالية في صف ريناد وقفت أمام الهاتف وقام بفتح تطبيق *التيك توك* وأخذت ترقص وهي تُظهر هيئتها كاملة وقامت بتنزيل الفيديو بسعادة على التيك توك وأخذت ترسله إلى صديقها الذي تقابله .. تنهدت ثم عادت تجلس بجوار صديقتها لكي ينتبهوا للحصة التالية .. دخلت كوثر إلى الصف وبعد السلام ورده ظلت تُطالع الفتاة التي هربت أمس .. وأخذت تشرح ما قامت بتجهيزه وحاولت أن تٌبقي وقتًا في الحصة لكي تتحدث مع الفتيات:
- طبعا بما إننا خلصنا حصة النهاردة بدري عايزة أتكلم معاكم في حاجة مهمة جدا .. وهي إنكم كلكم في سن مراهقة والمشاعر بتبقى زيادة شويه؛ فبتحتاجوا إهتمام حد يسمعكم وكده وده شيء طبيعي يحصل .. بس عايزة أعرفكم إنكم مينفعش تدوروا على الإهتمام بره أيًا يَكُن اللي شايفينه في حياتكم لإنه مع الأسف نهايته وحشه لإن ده بيخليكم تتعرفوا على شباب وتخرجوا معاهم من ورا أهاليكم وصدقوني إنتم غاليين جدا! مينفعش أي شاب يقرب منك أو يمسك إيديكِ .. *ثم تقابلت عينيها مع عيني ريناد* .. إنتِ غالية ونفسك عزيزة لما كُل ده يحصل لازم يبقى في النور قدام أهلك وهو جوزك .. واستحالة يبقى شخص مُحترم لإنه لو محترم مكنش مشي معاكِ من ورا أهلك.
ثم ابتعدت بعينيها عن ريناد التي كانت تُطالعها بلامبالاة لأنها غير مقتنعة بأي شيء.
- أنا المرة دي بكلمكم بالمنطق مجبتش أدلة شرعية تثبت إن الكلام ده حرام .. حاولوا تفكروا مع نفسكم شوية .. إيه ممكن تكون النهاية في علاقة في الضلمة زي دي؟ أو بلاش حاولوا تبصوا على التجارب اللي قبلكم أو تبحثوا على التيك توك بما إنه أقرب الأبلكيشنز ليكم أو إبحثوا على النت عموما عشان تتأكدوا إن كل ده نهايته وحشه.
كانت جميع الفتيات منتبهات لها ومقتنعات بما تقول انتبهت ريناد لهاتفها والذي كان يشير إلى وصول رسالة ..ابتسمت عندما رأتها منه ..
- تعالي نتقابل تاني إنتِ وحشاني جدا ووحشتيني أكتر بعد مابعتيلي الفيديو ده.
وملامحها تلك بالطبع لم تَخفَى على كوثر بالطبع، استفاقت عندما دق جرس المدرسة مما يُعلن عن انتهاء الحصة أخذت أشيائها وانتبهت أن ريناد قد حملت حقيبتها لكي تخرج من الفصل ومتبقٍ فقط الحصة الأخيرة .. خرجت ريناد من الفصل وتبعتها كوثر توقفها ..
- لو سمحتي.
التفتت ريناد تُطالعها بضيق وتحدثت بتأفف:
- أفندم؟
- إنتِ رايحة فين بشنطتك دي؟
تحدثت ريناد بضيق:
- وإنتِ مالك؟ برحتي أنا حرة.
وهنا لم تستطع أن تقاوم كوثر ضيقها بسبب طريقتها تلك وتحدثت بهمس مسموع للفتاة فقط:
- بصي أنا شوفتك امبارح وانتي بتهربي من المدرسة مع شاب ... حرام اللي بتعمليه ده الطريق ده آخرته وحشه.
تحدثت ريناد بغضب:
- وإنتِ مين إنتِ عشان تقوليلي أعمل إيه ومعملش إيه؟!! إنت فاكرة نفسك مين أصلا عشان تحاسبيني.
- أنا مش بحاسبك أنا بنبهك، لإني شايفاكِ في طريق كله غلط.
- خليكِ في حالك وفي نفسك وبس و............
- أنا شايف إنكم اتقابلتوا صمتت الإثنتان عندما قاطع حديثهما فؤاد الذي كان يقترب نحوهما بابتسامة توترت ريناد قليلا واستأنف فؤاد حديثه:
- هي دي بقا ريناد بنتي يا آنسة كوثر.
طالعتها كوثر بحسرة ثم تحدثت بحزن:
- ربنا يبارك لحضرتك فيها بعتذر هستأذن أنا هروح مكتبي.
هز فؤاد رأسه بابتسامة والتفت إلى ريناد التي تحمل حقيبتها:
- شايله شنطتك ورايحة على فين؟
تحدثت بتوتر خافي:
- رايحة الحمام؟
تحدث فؤاد بتعجب:
- بالشنطة؟!
حمحمت بإحراج مزيف ثم تحدثت بهمسٍ مسموع له:
- هدومي اتبهدلت من تحت فهظبطها وهظبط شعري كمان.
تحدث فؤاد بتفهم:
- تمام يا حبيبتي روحي وبعد ما تخلصي تعالي الفصل عشان ماتتأخريش على الحصة أومأت ثم ذهبت للحمام وأخذت تراسله على الهاتف أنها لا تستطيع الخروج الآن .. وسيتقابلان غدًا .. انتظرت رده حتى أجاب:
- ماشي .. بس هتعوضيني بكرة عن النهاردة.
- أوعدك.
ذلك ما قامت بكتابته بارتياح ثم عادت للفصل مرة أخرى لتحضر الحصة الأخيرة ثم رحلت إلى منزلها مع والدها وجلست في غرفتها وهي تشعر بالضيق من تلك المعلمة التي ضايقتها اليوم بالمدرسة .. من تظن نفسها؟ وهل من الممكن أن تُخبر والدها عن ما تفعله؟ بالطبع لا لن تستطيع فعل شيء .. استلقت على فراشها تحاول النوم ولكنها لم تستطع وتشعر بالتوتر لفكرة أن يمكن أن تُخبر معلمتها والدها بالحقيقة .. أمن الممكن أن تُخبره؟ في ذات الوقت كانت كوثر تتقلب بفراشها تفكر بتلك الفتاة الصغيرة التي تُدعي ريناد .. تشعر أنها تحتاج إلى الرِفق في النصيحة أكثر من ذي قبل ولكن مايجعلها تتضايق هو طريقتها في الحديث معها اليوم ولكن نيتها ليست التدخل في حياتها ولكن نيتها هو محاولة إنقاذها من ذلك الفخ الذي من الممكن أن تقع به يومًا ما، وهو فخ الحياة الدنيا الذي يُدعى الحب! ولكنه ليس بحبٍ إطلاقًا إنه علاقة مُحرمة يُبيحون بها كل شيء تحتَ مسمى الحب .. قررت أن تتحدث معها مرة أخرى غدًا لعلها تتفهمها ولو قليلًا.
في اليوم التالي:
بعد أن صعدت الفتيات لفصولهن جلست كوثر في مكتبها تتجهز للحصة الثانية لتُدَرِس الصف الثاني الثانوي ولكنها انتبهت لمن دخلت المكتب .. ولم تكن سوى ريناد التي تتحدث بغضب:
- بصي بقا يا بتاعة إنتِ، لو قولتي لبابي مش هيصدقك وهيصدقني أنا.
تحدثت كوثر وهي ترمقها بهدوء:
- وإنتِ خايفة كده ليه؟ مش إنتِ مبتعمليش حاجة غلط وأخليني في نفسي أحسن؟ إنتِ مش مقتنعة إنه حرام وغلط يبقى برحتك.
ظلت ريناد تُطالِعُها بضيق وتحدثت:
- إنتوا ناس دقة قديمة الكلام اللي بتقوليه ده كان زمان .. لكن دلوقتي كل اللي بيحبوا بعض بيتجوزوا بعض ..انتِ لو شوفتي السوشيال ميديا هتلاقي كله دلوقتي عايش كده وهي دي الحياة .. بلاش جهل وتخلف بقا.
تحدثت كوثر بحزم:
- إحترمي نفسك! .. أنا لحد الآن ساكتة ومبردش على طريقتك في الكلام دي إحترامًا لوالدك الراجل المحترم.
قهقهت ريناد بقوة:
- بابي! اه قولي كده بقا .. هو إنتِ منهم! أقولك على حاجة.
ثم اقتربت منها قليلًا وتحدثت بهمس:
- كل ميس هنا في المدرسة عينيها على بابي، فلو معتقدة إن في قدامك فرصة معاه يبقى تنسي إنه يبُصلك أصلا، لإنهم أحلى منك بكتير.
ثم تركتها ورحلت دون أن تتحدث بكلمة أخرى .. ظلت كوثر تنظر أمامها بذهول من حديثها الجريء الخالي من الحياء .. كما أنها اتهمتها أنها تحاول التقرب من والدها ... ظلت كوثر تستغفر الله وتحاول التماسك وقررت أن تبتعد عن كل ذلك استماعًا لنصيحة والدها التي نصحها بها في المرة الأولى .. تنهدت وحاولت أن تراجع التحضير ولكنها لم تستطع وأغلقت ملف التحضيروظلت تُطالع الوقت تنتظر أن يأتي موعدها مع الصف الثاني الثانوي ..
مر يومها بسلام وخاصة أنها لم تُقابل ريناد مرة أخرى .. وفي نهاية اليوم كانت تقف بالحمام تقوم بضبط خمارها وقامت بغسل وجهها بالمياه تفكر أنها قد تعبت كثيرًا من التفكير وتفكر في الرحيل من تلك المدرسة في أقرب وقت لأن هؤلاء الأشخاص لا يشبهونها أبدًا في التفكير جميعهم إلا فئةً قليلةً منهم بالطبع مثل زميلتها منة فهي قد رأت منها لُطفًا كبيرًا ومعاملة طيبة هي وزوجها وأيضًا من الأستاذ فؤاد فهي لم ترى منه أي شيء سيء .. انتبهت على دخول ريناد للحمام وطالعتها في المرآة خلفها تجاهلتها ريناد وأغلقت باب الحمام خلفها وبعد ثوانٍ فقط سمعت كوثر نافذة الحمام تُفتح ..
- ظلت تقف في مكانها تُفكر هل تذهب الآن إلى مكتب أستاذ فؤاد لتشي بإبنته التي تهرب لتقابل شابًا أم تصمت؟! ولكن الساكت عن الحق شيطانٌ أخرَس .. تنهدت باستسلام وقررت أن تُخبر الأستاذ فؤاد بالحقيقة .. هي ليست معلمة في هذه المدرسة فقط! بل هي أمًا أيضًا وإذا رأت سلوكًا لا يُناسب المكان التي هي به يجب إذًا أن تتحدث بالأمر مع المسئول وإذا لم تفعل فهي لا تستحق وجودها هنا في المدرسة.
خرجت من الحمام وتوقفت أمام مكتب السيد فؤاد وأخذت نفسًا عميقًا وطرقت على الباب عدة طرقات حتى أذن لها بالدخول ..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد فؤاد بابتسامة:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. إزيك يا آنسة كوثر؟ إنتِ كويسه النهاردة؟
أومأت بابتسامة وتحدثت برسمية:
- الحمدلله، أنا كنت جاية محتاجة أتكلم مع حضرتك في حاجة.
- اتفضلي.
- أنا كنت جاية أتكلم في..........
قاطع حديثهما صوت هاتفه النقال ووجدها مكالمة مهمة كثيرًا..
- بعتذر يا آنسة كوثر بس دي مكالمة مهمة، ممكن نأجل الكلام لوقت تاني؟
أومأت ثم خرجت من الغرفة وأخذت تفكر ماذا تفعل وقررت أن تخرج خلفها .. ظلت تسير في نفس إتجاه سيرها الذي تتذكره من المرة السابقة وهرولت في مشيتها قليلًا حتى تلحق بها ووجدتها تقف بالقرب من المدرسة بعدة شوارع كانا يتحدثان .. ولكن تلك المرة كان يُمسك بها بطريقة غير لائقة تمامًا شعرت ريناد بعدم ارتياح وهو يُمسك بها هكذا ..
- بس يا فارس.....
تحدث بخبث وهو يُقاطعها:
- يا حبيبتي متقلقيش ومتخافيش مني .. هنقعد في شقتي نستريح شوية بدل مانقعد نتمشى كده في الشارع وبعدين إنتِ وعدتيني إنك هتعوضيني صح؟ وبعدين إنتِ مينفعش تخافي مني .. مش أنا قولتلك قبل كده إنك هتبقي مراتي؟
أومأت بخجل ثم أمسك بيدها وأخذا يُكملان الطريق سويًا حاولت كوثر أن تهروله مٌسرعة لكي تلحق بهما ولتعلم أين يذهبان ووجدتهما يصعدان لأحد المباني السكنية .. صعدا عن طريق المصعد للطابق الثالث وصعدت على أدراج المنزل لكي تتبعهما .. قام بفتح باب الشقة وأشار لها بالدخول ودخلت بخجل وهو دخل خلفها وأغلق الباب .. صعدت كوثر للطابق الثالث وفي ذلك الطابق كان هناك شقتان لم تكن تعلم أي شقة منهما قد دخلا حاولت أن تركز في الأصوات الموجودة خلف الأبواب .. ولكنها لم تستطع شعرت بضيقٍ في التنفس وأن الفتاة ستضيع بسببها لأنها لم تمنعها منذ البداية .. جلست في الصالة وأعطاها كوبًا من العصر قد وضع به مخدرًا دون أن تنتبه ..
- اتفضلي يا أحلى ريناد في الدنيا.
- شكرا.
ذلك ماتحدثت به بخجل وشربت العصير وهو بجانبها يشرب كأسه أيضًا وهو يرمقها بطرف عينيه .. وأخذا يدردشان قليلًا وفجأة شعرت بالنعاس وتحدثت بتثاؤب..
- أنا حاسة إني مش كويسه.
أمسك بيدها بابتسامة:
- لا متقلقيش إنتِ كويسه وفي أفضل حال كمان .. أخيرًا هعرف أعمل معاكِ كل اللي انا عايزُه؟
- عقدت ريناد حاجبيها بعدم فهم وانتبهت عندما قام بخلع قميصه.
تحدثت بصراخ ضعيف:
- لا يا فارس مينفعش.
ولكنه لم يستمع إليها وفي تلك اللحظة سمعت كوثر الصراخ الضعيف ذلك واقتربت من الشقة وأخذت تُطرق على بابها طرقات عنيفة .. تأفف فارس وترك ريناد التي قد غابت عن وعيها الآن .. فتح الباب وتفاجأ بمن دفعه إلى الخلف وتحدثت كوثر بصراخ جعل كل قاطنوا المبنى يخرجون من شقتهم ..
- ده أنا هوديك في ستين داهية!! هي فين؟!!!
- إنتِ مين إنتِ؟!
- أنا مين برده!! إنت اللي مين ياله؟!!!! وأخدت البنت معاك عشان تعمل إيه؟
ثم انتبهت إليها نائمة على الأريكة لا تشعر بأي شيءٍ حولها وأخذتها من يدها تحاول أن تجعلها تستفيق ..
- ريناد! .. ريناد إصحي .. لكنها لم تستيقظ .. حاول فارس أن يمنعها ولكنها دفعته مرة أخرى من أمامها وسحبت ريناد بصعوبة وهي تسير بتخدر بجانبها ولم يستطع أن يلحق بهما لكي لا يجعل نفسه عُرضةً للسخرية أمام ساكني المبنى، ذهبت كوثر إلى أحد المساجد في مُصلى السيدات وأخذت تمسح وجهها بالمياه في الحمام لعلها تستفيق ثم أخذتها لكي تجلس في المُصلى وأسندت رأسها على قدمها وأخذت تقرأ وِردها من القرآن الكريم وتمسح على شعرها وهي نائمة .. وأثناء نومها شعرت بحنانٍ بالغٍ لم تشعر به منذ وفاة والدتها .. تتذكر عندما كانت تستند برأسها على فخذ والدتها لتنام وتربت على شعرها وهي نائمة وتدعو لها .. فرت عبرة من عينيها بعدما قامت بفتح عينيها بصعوبة ووجدت نفسها في المسجد اعتدلت ورفعت رأسها وطالعت كوثر التي أنهت قراءة القرآن الكريم وأغلقت المصحف الشريف وطالعتها بابتسامة:
- إنتِ كويسه؟ طمنيني عليكِ يا حبيبتي؟ عملك حاجة الولد ده؟
طالعتها ريناد بعدم استيعاب ثم تحدثت بتيه:
- أنا كويسه، هو كان هيعمل إيه مش فاهمة؟
تنهدت كوثر وتحدثت:
- كان هيعمل حاجة وحشه جدا .. بس الحمدلله أنا جيت في الوقت المناسب ولحقتك .. الحمدلله ربنا جعل سبب وجودي في المدرسة هو إنقاذي ليكِ، المهم دلوقتي إنك كويسه وبخير وده الأهم طبعا.
ظلت ريناد تُطالعها بارتباك تشعر بالحرج منها لأنها قد حذرتها منه ولكنها لم تستمع إلى نصيحتها ..
- يلا بينا نمشي عشان باباكي الأستاذ فؤاد ميقلقش عليكِ.
هزت ريناد رأسها بصمت وتبعتها بإحراج ووجدا فؤاد يقف أمام المدرسة متوترًا كثيرًا بسبب غيابها ولأنه لم يجدها .. وانتبه عندما رآهما تقتربان ..
- كنتِ فين؟
كادت أن تتحدث وتحدثت كوثر بدلًا عنها:
- كانت معايا في المسجد.
ظل فؤاد يُطالعها بعدم فهم ولكنه طالع ريناد التي كانت تقف شاحبة الوجه ..
- طب إنتِ كويسه يا ريناد.
أومأت ثم تحدثت:
- أنا بس محتاجة أروح منمتش كويس.
أومأ هو الآخر وظل يُطالع كوثر التي ابتسمت برسمية ثم تركتهم لتذهب في طريقها .. ركب سيارته وهو يُفكر بكوثر وكانت ريناد بجانبه .. تنهد واستفاق من شروده وكاد أن يتحدث معها ولكنه وجدها قد غفت أو أنها مثلت ذلك لكي لا يتحدث معها في شيء.
دخلت كوثر إلى شقتها ولم يكن والدها في المنزل ووالدتها كانت في المطبخ ولكن خرجت منه وقابلتها بوجه بشوش:
- إنتِ كويسه يا كوثر؟
- الحمدلله يا أمي .. حاسة إني مرهقة شوية هصلي العصر وهنام تمام؟؟
- مش هتاكلي؟
- لا محتاجة أنام شويه بس.
أومأت والدتها وتركتها كوثر وصلت فرضها ثم نامت بعد ذلك لتستريح قليلًا ..
أما ريناد فقد جلست على فراشها بعدما قامت بتغيير ملابسها كانت صامته تُطالع غرفتها حولها تتذكر ذكرياتها مع والدتها حينما كانت طفلة بكَت .. نعم بكَت لا تدري ماذا كان سيحدث لها لولا وصول معلمتها في الوقت المناسب .. تشعر أن غياب والدتها فعل بها ذلك بحثت عن حنانها في شخصٍ آخر استفاقت عندما سمعت طرقاتٍ بسيطة على باب الغرفة ..
- تسمحيلي أدخل.
ذلك ماتحدث به فؤاد بابتسامة وهو يدخل للعرفة ..
- مش هتاكلي؟
تحدثت ريناد بصوت مبحوح:
- لا مش جعانة.
ثم صمتت وتحدث فؤاد بهدوء:
- ريناد لو في حاجة حصلت معاكِ النهاردة في المدرسة ضايقتك عرفيني ..لو حد زعلك قوليلي وأنا هشوف حل.
- لا يابابا مفيش حاجة زعلتني.
- طب كنتِ بتعملي إيه مع أستاذة كوثر؟
تنهدت ريناد وتحدثت:
- زي ماهي قالتلك بالظبط .. كنا في الجامع.
همهم وتحدث:
- طيب هتنامي؟
أومأت واعتدلت في فراشها وقامت بإغماض عينيها لعلها تستريح قليلًا في ذات الوقت كان هاتفها يرن من رقم فارس الذي ظل يتصل بها كثيرًا ولكنها لم تُجيب وقامت بحظر رقمه لكي لا تستطيع الإتصال بها تمامًا كما انها قامت بحظره من جميع وسائل التواصل الإجتماعي.
في المساء:
كانت تتناول طعام العشاء مع والديها وتنظر أمامها بشرود وبعد أن انتهوا من تناول الطعام:
- مالك يا كوثر؟
أردفت باستسلام:
- أنا تعبت مش هكمل في المدرسة دي .. عايزة أقدم استقالتي.
- ليه في إيه؟ إيه اللي حصل؟
- الناس دي مش شبهي يا بابا .. انا مش مستريحة في المكان ده.
ظل والدها يرمقها بهدوء ثم تحدث:
- إنتِ مافضلتيش هناك غير كام يوم بس! وكنتِ مُصِّرة تروحي وحاطة الموضوع تحدي لنفسك.
تحدثت بتنهيدة:
- أنا عيلة وبرجع في كلامي .. وإنتم من إمتى بتصدقوني يعني؟
ثم قهقهت لكي تقوم بتغيير الحديث في ذلك الأمر .. تحدثت والدها بعقلانية:
- بصي يا كوثر إنتِ عارفة إننا مش بنجبرك على حاجة يا حبيبتي .. إحنا واثقين فيكِ وفي إختياراتك عشان كده مش همنعنك وحتى لو هتقعدي في البيت يا سلام هتبقى أحلى قعدة كمان أهو نبدع في وصفات الأكل.
- زي ما أمك بتقول كده بالظبط .. إحنا عايزينك قاعدة في البيت معززة مُكرمة وخاصة إنك كنتِ بتتشغلي في البداية برغبتك إنتِ .. بس خليكِ عارفة إن اللي اتعود على الشغل صعب يقعد في البيت.
أومأت ثم تحدثت:
- أنا خلاص أخدت قراري
أجابها والدها:
- واحنا معاكِ يا حبيبتي في كل اللي إنتِ عايزاه.
........................................
في صباح اليوم التالي:
كان فؤاد يقف في الطابور الصباحي وريناد تقف في طابور صفها وكانت تنظر أمامها بشرود ولم تتحدث حتى مع صديقتها، انتبه فؤاد على غياب الآنسة كوثر واعتقد أنها من الممكن أن تكون متأخرة قليلًا وقرر أن ينتظرها لكي تخبره بما كانت تريد أن تتحدث به أمس ولكنه لم يستطع أن ينصت إليها بسبب كونه مشغولاً ..
صعدت الفتيات إلى فصولهن أما فؤاد فقد انتظر مجيء كوثر ولكنها لم تأتِ إتصل بغرفة الشئون الإدارية وأجابته مدام بنين:
- مدام بنين صباح الخير.
- صباح الخير أستاذ فؤاد.
تساءل بحيرة:
- هي الآنسة كوثر مجتش النهاردة؟
- لا بصراحة مجتش .. أو ممكن تكون جات وأنا مخدتش بالي منها تحب أتصل بيهم في المكتب؟
- لا أنا هتصل.
ثم أغلق معها وقام بالإتصال بمكتب المعلمات وأجابته منه:
- السلام عليكم؟
- وعليكم السلام أ/منة .. هي الآنسة كوثر مجتش؟
- لا مجتش خالص .. بحاول أكلمها مش بترد عليا يمكن تكون تعبانة ولا حاجة.
- طب معلش ممكن تديني رقمها طيب أطمن عليها؟ لإني مش لاقي الملف بتاعها دلوقتي، ويمكن ترد.
- تمام يا أستاذ فؤاد.
وأعطته رقم الهاتف وأخذ يتصل بها كثيرًا حتى أجابت/
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يدري ما السبب الذي جعل قلبه يرفرف من السعادة عندما سمع السلام منها كاملاً:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. آنسة كوثر معايا؟
- أستاذ فؤاد؟
- أيوه .. إنتِ ماجيتيش ليه في حاجة حصلت؟
- لا مفيش حاجة .. بس انا مش قادرة أكمل ومش هاجي تاني.
تحدث فؤاد بعدم فهم:
- بس الأمور دي مش بتمشي كده .. إنتِ عشان تمشي لازم تبلغيني من قبلها و......"
قاطعته كوثر بهدوء:
- بعتذر لحضرتك بس أنا نفسيا مش قادرة أجي تاني .. حضرتك ممكن تشوف غيري.
لماذا يشعر أن تلك الكلمات قد آلمت قلبه؟ يبحث عن غيرها!! كيف يفعل ذلك حقًا؟؟ كاد أن يتحدث ولكنها تحدثت قبله..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم أغلفت الهاتف وتحدث وهو ينفخ بضيق:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ياستي.
انتهى اليوم على خير وتعجبت ريناد بعدم حضور الآنسة كوثر وأثناء رحيلها هي ووالدها من المدرسة تساءلت:
- بابي، هي ميس كوثر مجتش ليه النهاردة؟
- ميس كوثر مش هتيجي تاني مع الأسف.
طالعته قليلًا ثم نظرت أمامها تُطالع الطريق تشعر أنها السبب بما حدث لأن كلماتها لها أمس كانت سامة للغاية .. وفي المساء كانت تجلس وهي تتصفح هاتفها ولكنها لم تكن تُركز في شيء كل ماكانت تركز به كلماتها لكوثر والتي بالتأكيد كانت كالخنجر الذي أصاب قلبها خرجت من الغرفة واقتربت من غرفة والدها وتحدثت:
- بابي .. محتاجة أتكلم مع حضرتك في حاجة، ممكن؟
أومأ فؤاد بهدوء وتفهم ولكن تحدثت ريناد بجدية:
- بس توعدني مهما أنا قولت إيه هتصدقني ومش هتعمل ليا حاجة!.
تحدث بهدوء:
- ماتتكلمي يا ريناد في إيه مالك؟
أخذت نفسًا عميقًا وأخذت تسرد له كل مافعلته به دون علمه وكل مافعلته بكوثر وبعد أن انتهت كان فؤاد ينظر أمامه بذهول .. لم يكن يتوقع أن ابنته كانت تفعل كل ذلك دون علمه!
تحدثت ريناد ببكاء وندم:
- بابي .. أنا عارفة إني غلطانه وأستحق العقاب اللي حضرتك هتفرضه عليا .. بس أنا حاسة بالذنب عشان أنا زعلتها وضايقتها ومش عارفة أنام بسبب كده.
طالعها فؤاد بصمت لا يعرف ماذا يقول! لقد فعلت ما فعلت!
- بابي، متفضلش ساكت كده!
تحدث فؤاد بهدوء يحاول التحكم بأعصابه:
- بصي ياريناد لو أنا هتكلم عن الدقة القديمة بتاعتنا كان زماني جارِّك دلوقتي من شعرك ورايا في الشقة كلها ومش بس كده كنت ضربتك ضرب شنيع! .. لكن أنا مقدرش أمد إيدي عليكِ لإني مع الأسف وعدت مامتك إني هاخد بالي منك وعشان كده .. إنتِ مش هتروحي المدرسة خالص الترم ده ومش هتمسكِ تليفون نهائي .. هعملك أجازة مرضي .. هتصرف يعني حتى صاحبتك اللي فرحانة بيها دي مش هتشوفي وشها.
واعتدل من مقعده وأخذ هاتفها منه ولكنها كانت مُسالمة تمامًا متقبلة عقابه الخفيف ذلك ثم خرج من غرفته يحاول الإبتعاد عنها لكبت غضبه ... وتنهدت بارتياح عندما شعرت بأنه كان هناك عبئًا ثقيلًا قد أُزيح عنها ثم خرجت من غرفته لتعود إلى غرفتها لكي تنام.
...............................
في صباح اليوم التالي:
كانت كوثر تقوم بتجهيز طعام الفطور مع والدتها لكي يتناولوه ولكنها انتبهت على رنين جرس الشقة .
- هفتح أنا ياماما..
وأخذت ترتدي ملابس الصلاة وفوقها حجابًا طويلاً وقامت بفتح الباب وتفاجأت بوجوده يقف أمامها .. شعرت بالإحراج لماذا أتى؟
- إزيك يا آنسة كوثر؟
كادت أن تتحدث ولكنها تفاجأت بظهر ريناد خلفه وتحدثت:
- إزي حضرتك؟
تنهدت كوثر وهي تُطالعها ثم ابتعدت من أمام الباب وسمحت لهم بالدخول إلى الشقة ..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ذلك ما قاله فؤاد وهو يدخل إلى الشقة ويرمق كوثر بنظرة تعرفها جيدًا .. شعرت بالإحراج ثم ردت السلام:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وأشارت لهم لكي يجلسوا بالصالة واقتربت من غرفة والديها ودخلت إلى والدها تٌخبره بمن أتى ثم عادت إلى المطبخ لكي تقوم بتجهيز الفطور .. وبعد دقائق بسيطة خرج لهم والدها واقترب من فؤاد ..
- يا أهلا وسهلا يا أستاذ أهلا بحضرتك .. نورتنا.
- بعتذر لو جيت من غير ميعاد.
- البيت بيتك تنور في أي وقت.
ثم طالع ريناد بابتسامة:
- إزيك يا حبيبتي عاملة إيه؟
- الحمدلله.
خرجت كوثر من المطبخ وقد قربت أن تضع الطعام على الطاولة ولكن ناداها والدها ..
- تعالي يا كوثر.
تركت ما تفعل ودخلت للغرفة:
- نعم يا بابا.
- أستاذ فؤاد بيقول إنه جاي عشان بنته عايزة تقولك حاجة.
طالعت كوثر ريناد بعدم فهم وتوقفت في مكانها وتحدثت:
- أنا آسفة يا ميس كوثر على اللي قولتهولك في المكتب حقك عليا مكنش ينفع أقول الكلام ده لحضرتك.
ابتسمت كوثر لها واقتربت تضمها وتربت على ظهرها:
- مفيش مشكلة المهم انك اتعلمتي والحمدلله محصلش حاجة.
طالعها فؤاد باتبسامة وأعين تلمع ثم تحدث وهو ينظر إلى والدها:
- طب بما إننا خلاص قولنا اللي عندنا نستأذن إحنا.
- لا تستأذنوا تروحوا فين؟؟ ده أنا قولت لكوثر متعملش الشاي عشان هتفطروا معانا وتشربوا الشاي معانا بعد الفطار.
همَّ فؤاد أن يعترض ولكن أوقفه السيد حُسني:
- يا أستاذ فؤاد عيب لما تيجوا في بيتنا ومتاكلوش لقمه ده حتى إكرام الضيف واجب .. يلا بينا نقوم نفطر.
جلسوا في أماكنهم على الطاولة الصغيرة المستديرة وتعرفوا على والدتها السيدة جمالات والتي كانت طيبة القلب كثيرًا، و أكلوا الطعام سويًا وبعد أن انتهوا .. كان فؤاد وحسني يشربان الشاي في الشرفة وريناد تجلس مع كوثر وجمالات في الصالة ..
- وبعدين؟
- بابي عاقبني بإني مروحش المدرسة وأخد تليفوني .. بس ده كله مش مهم عندي .. المهم إني اعتذرت لحضرتك وضميري مستريح أوي.
كانت كوثر تُطالعها بابتسامه وربتت على شعرها بحنان وللمرة الثانية تشعر ريناد بحنان أمها الذي افتقدته وأغمضت عينيها لكي تشعر بحنان كوثر عليها ولو قليلًا.
كان فؤاد يُتابع ذلك الموقف بتأثرٍ شديد وانتبه عندما وجه حسني السؤال له وهو يُطالعه:
- أومال فين زوجة حضرتك مجتش معاك ليه نتعرف عليها.
- أنا أرمل .. زوجتي والدة ريناد توفت من تمن سنين وسابتلي ريناد.
- بعتذر البقاء لله.
- ونعم الله.
ثم عاد فؤاد يُطالع كوثر وريناد مرة أخرى ثم تحدث:
- هي الآنسة كوثر مرتبطة؟
ابتسم حُسني وتحدث:
- لا يابني.
حمحم ثم تحدث:
- بص حضرتك وبما إني دخلت البيت فأنا حابب أتكلم بصراحة .. أنا من أول يوم قابلت فيه الآنسة كوثر وأنا أُعجبت بحديثها ولباقتها وتلقائيتها وكل حاجة شوفتها منها في أول مقابلة بينا.
اتسعت ابتسامة حسني واستأنف فؤاد:
- بص حضرتك أنا عارف إني أرمل وإن الآنسة كوثر تستاهل أحسن من كده بكتير بس أنا طالب إيديها وأتمنى إن حضرتك توافق.
- بص يابني .. أنا يزيدني الشرف والجواز عموما كل شيء قسمة ونصيب .. بس انا الموضوع ده مش متوقف على قراري ده متوقف على قرار كوثر نفسها.
ونادى كوثر التي وقفت أمامهم بارتباك بسبب نظرات فؤاد لها:
- نعم يابابا.
- بصي يا كوثر الأستاذ فؤاد طلب إيدك مني وأنا قولتله إن الموضوع متوقف على قرارك.
طالعتهم بذهول هما الإثنان وشعرت بالإرتباك والخجل في آنٍ واحد وكل ماقالته:
- هصلي استخارة.
ثم تركتهم مهرولة بارتباك وعادت تجلس بجانب ريناد مرة أخرى وهي تُطالع الأرض خجلًا.
قهقه حسني من ردة فعلها تلك وتحدث:
- أهي ردت عليك أهيه.
ظلوا يدردشون حتى أذنت صلاة الظهر ونزل حسني للمسجد وأخذ فؤاد معه وبقيت ريناد مع كوثر ووالدتها وصلت معهم أيضًا وشعرت ريناد بالراحة كثيرًا كأنها كانت تائهة ووجدت المكان المناسب لها .. رحل فؤاد وريناد من شقة كوثر ووالديها وهما مبتسمان وأيضًا كوثر التي كانت تشعر بالخجل بسبب نظرات والدها لها .. ظل فؤاد ينتظر رد كوثر طيلة اليوم ولكنها لم تُجيبه وكان متوترًا يريدها أن تُريح قلبه يريدها أن تكون زوجته وأُمَّا لإبنته والتي ابتسمت كثيرًا اليوم بسبب جلوسها معها حتى رحلا.
في اليوم التالي:
انتبه فؤاد لرنين هاتفه وهو يجلس بالمكتب في المدرسة وقام بالإجابة فورًا عندما وجده والد كوثر:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إزيك يا أستاذ فؤاد؟
- أنا بخير الحمدلله.
- حضرتك كنت منتظر رد من كوثر بنتي .. وأنا حبيت أقولك الرد .. هي موافقة.
تحدث فؤاد بابتسامة:
- بجد؟؟
- اه يا أستاذ فؤاد ... هحتاج حضرتك تعدي عليا النهاردة في البيت نتكلم شوية.
- تمام حاضر.
- وقبل ما أقفل .. هات ريناد معاك عشان كوثر وجمالات مراتي عايزين يشوفوها ويقعدوا معاها.
- حاضر.
أغلق فؤاد المكالمة الهاتفية بارتياح وظل يَعُدُ الساعاات حتى انتهى اليوم الدراسي على خير وذهب للمنزل ليأخذ ريناد التي كانت تقوم بالمذاكرة قليلًا وذهبا إلى منزل كوثر .. اتفق فؤاد مع والدها على كل شيء ..
كانت ريناد جالسة تُطالع كوثر بسعادة بالغة وتحدثت:
- أنا مبسوطة أوي عشان هتتجوزي بابي.
طالعتها كوثر بإحراج ثم تحدثت:
- وأنا كمان مبسوطة إني هبقى معاكِ.
- ميس كوثر هو أنا ممكن أقولك يا مامي؟
- أكيد طبعا.
وقامت بضمها بقوة .. ابتعدت عنها ريناد مسافة بسيط وتحدثت بابتسامة وهي تطالعها:
- أنا نويت أتحجب .. ممكن تبقي تنزلي معايا نشتري الهدوم اللي هلبسها؟ عايزة ألبس زي حضرتك.
ابتسمت كوثر بحب وهي تُطالعها وتحدثت:
- أكيد طبعا.
شعرت كوثر بالدفء حينما شعرت بالمسئولية إتجاه ريناد وأيضًا لأنها أصبح لديها أسرة صغيرة دافئة ستظل تحميها بقوة حتى النهاية
تمت بحمد الله