
اتفضلي أقعدي طيب.
جلست كوثر على كرسي أمام المكتب ثم أخذت من كوثر سيرتها الذاتية تنظر إلى تخصصها ثم تحدثت:
- بصي يا جميل، انتِ عندك حصة دلوقتي في الفصل ده.
ثم أعطتها جدول الحصص وهي تشير إلى أرقام أحد فصول المدرسة وطريقة الوصول إليه.
أومأت كوثر ثم اعتدلت.
- شكرًا لحضرتك
- العفو يا جميل.
ابتسمت ثم خرجت من غرفة الشئون وأخذت تبحث عن الفصل وهي تُطالع ساعة يدها .. دق جرس انتهاء الحصة الحالية حينما اقتربت من الفصل المقصود .. خرجت مُعلمة اللغة الألمانية والتي تُدعى إسراء من الفصل وكانت ترتدي زيًا رسميًا تنورته تصل إلى الركبة وأطلقت شعرها البُني الطويل للخلف .. تقابلت مع كوثر وطالعتها بسُخرية من مظهر ثيابها ..
- هاي.
ذلك ماتحدثت به إسراء وهي تُطالع مظهرها.
تحدثت كوثر بابتسامة:
- وعليكم الهاي ياست.
عقدت لأستاذة حاجبيها من طريقتها الشعبية تلك ثم رمقتها باشمئزاز وتركتها .. تحدثت كوثر بتنهيدة:
- ربنا يهديها.
دخلت الفصل الخاصة بالصف الأول الثانوي بقدمها اليُمنى وتحدثت بصوت مسموع وابتسامة واسعة:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كان الجميع جالسون في أماكنهم يدردشون ويمسكون هواتفهم ويقومون بتصوير أنفسهم وأيضًا يقومون بعمل بعض مقاطع الفيديو ويضحكون بأصواتٍ عالية .. انتظرت أن يرد أحدهم السلام ولكن لم يَرُد أحدهم.
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رمقتهم مرة أخرى تنتظر ردهم وتنهدت بارتياح عندما ردت عليها فتاة بابتسامة هادئة:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ابتسمت كوثر للفتاة التي تجلس في بداية الصف ثم انتبهت للباقون الذين لم ينتبهوا لدخولها اقتربت من مكتب المعلمين في الفصل ووضعت أشيائها ثم أخذت محاية السبورة البيضاء وقامت بمسح المكتوب عليها وقامت بكتابة "بسم الله الرحمن الرحيم" وأسفلها كلمة "تَعَارُف".
هدأ ضجيج الفصل شيئًا فشيئًا ولكن كان صوت ريناد الوحيد المسموع وهي تقف أمام هاتفها وتقوم ببعض الرقصات لكي تنشرها على موقع التيك توك كما اعتادت وبعد أن انتهت وجدت الجميع يُطالعها ثم رفعت رأسها ووجدت مُعلمة تقف في بداية الصف تُطالعها بهدوء .. حمحمت وأخذت هاتفها وعادت تجلس بجوار صديقاتها .. ابتسمت كوثر لها وطالعت الجميع تُظهر ابتسامتها المُشرقة وحمحمت ثم تحدثت:
- أنا أستاذة كوثر، مُدرسة اللغة العربية بدل أستاذة شيريهان وطبعا عايزة أقولكم إني لسه عارفة من شويه إني هبدأ أشتغل هنا فطبعا مالحقتش أحضًّر أي درس.
ثم أشارت إلى السبورة البيضاء وأستأنفت:
- وعشان كده حبيت إني أتعرف عليكم النهاردة وندردش سوا .. اعتبروني أختكم الكبيرة ...و..
- هنعتبرك ستنا الشيخة.
ألقت ريناد ذلك اللقب عليها في خفاء ولكن بصوت مسموع ثم ضحكت جميع الفتيات بالفصل.
- مين قال كده؟
ولكن ظل الجميع صامتًا .. طالعتهم كوثر قليلًا ثم تحدثت بمرح:
- طيب بما إننا دخلنا في شغل التنمر اللي ملهوش لازمة ده .. مش عاجبكم الزي الشرعي بتاعي؟ حاجة جديدة عليكم صح؟
صمتت الفتيات وهنَّ يُطالِعْنَها ثم استأنفت وهي تُطالع كل فتاة بالفصل حيث يرتدين ثياب المدرسة ولكن منها القصير ومنها الضيق:
- بصوا هو القرار كان صعب بصراحة بس أنا مش عايزة حد يشوف تفاصيل جسمي عشان حرام ... يعني حرام ألبس بنطلون أو جيبة ضيقة .. حرام أشمر كُمِي عشان ماحدش يشوف دراعي .. الموضوع ده قررت أعمله بعد صعوبة.
وجدتهم يُطالعونها بحماسٍ كأنهم ينتظرون أن تتحدث أكثر تنهدت ثم استأنفت:
- بصوا مش هكذب عليكم .. بس أنا حصلي حادثة من حوالي عشر سنين كنت بنت جامعية روشة أوي على أيامنا يعني كنت بلبس ضيق وبطلع شعري من الطرحة بس الحادثة خلتني أشوف الموت بعيني كنت بطلَّع في الروح ووقتها اتمنيت إني أرجع حتى لو لثانية واحدة أصلي الصلوات اللي فاتتني وأقرب من ربنا أكتر من كده لإني كنت بعيدة جدًا عنه .. بس بعدها ربنا سبحانه وتعالي كتبلي عُمر جديد وقررت إني أتوب وأبدأ صفحة جديدة مع ربنا .. المفروض من البداية كنت أرد عليكم وأقولكم وانتم مالكم؟ أنا حُرة دي علاقتي بربنا محدش له دعوة بيها .. بس قررت أقولكم قصتي يمكن تكون عبرة وعظة ليكم.
تحدثت أحد الفتيات:
- بس إحنا لسه صغيرين على الكلام ده، حضرتك كبيرة فطبيعي تلبسي الكلام ده.
طالعتهم كوثر بابتسامة ثم تحدثت:
- مين قال إننا بنقيسها بالعمر؟ إحنا بنقيسها بالبلوغ .. يعني طالما بَلَغنا يبقى مُطالب مننا نلتزم بكلام ربنا سبحانه وتعالى لإننا هنتحاسب عليه .. نقول كلمة إحنا لسه صغيرين دي للأطفال اللي في الإبتدائي لكن إنتم بسم الله ماشاء الله آنسات حلوين قدامي أهوه مين قال بس إنكم صغرين؟!
تأففت ريناد وهي ترمقها بنصف عين ثم تحدثت لإحدى صديقاتها:
- لما ستنا الحجة تخلص رغيها ده صحوني.
ثم استلقت برأسها على المسند أمامها لكي تغفوا قليلًا لأنها لم تنَم جيدًا.
- ومش معنى إني لابسه زي شرعي مش معناه إني ملاك! بل بالعكس أنا بني آدمة عادية جدًا وبغلط وبذنب بس أنا بحاول أقرب من ربنا فبحاول أمشي الأوامر اللي ربنا أمرنا بيها .. وربنا يهديني.
هزت الفتيات رؤسهن بتفهم واستأنفت كوثر حديثها بارتياح:
- طيب أحب أعرفكم بنفسي بجد بقا ......
وأخذت كوثر تقوم بالتعرف عليهن جميعًا وأخدت تُدردش معهم وقد أحبوها كثيرًا كانت عين كوثر تقع بشكل مستمر على الفتاة النائمة ولكنها لم تُرِد إزعاجها هي بالتأكيد لم تَنَم جيدًا وتركتها تستريح .. دق جرس المدرسة يُعلن عن إنتهاء الحصة ابتسمت كوثر وتحدثت قبل أن تخرج:
- أشوفكم بكرة يابنات إن شاء الله اتشرفت بيكم.
- وإحنا كمان يا ميس.
ابتسمت لهم وخرجت من الفصل ثم ذهبت لغرفة المُعلمات والمعلمين لكي ترى مكتبها الجديد وتضع به أشيائها الأساسية وتجلس به قليلًا وتتعرف على المُعلمات .. دخلت الغرفة وكان بها مُعلمة واحدة في الغرفة وكانت تتحدث في هاتفها.. قالت كوثر:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قطعت المعلمة حديثها وردت:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وعادت المُعلمة تتابع حديثها عبر الهاتف، اتنبهت كوثر للمكتب الجديد الموجود بنهاية الغرفة ووضع عليه لافته به إسمها انبهرت بأناقة المكتب حيث كان مكتبًا خشبيًا ذو لونٍ بُني داكِن جلست على كُرسيَّها بارتياح وكانت سعيدة للغاية وأخذت تحمد الله على تلك النعمة الجميلة .. طالعت المُعلمة التي انتهت لتوها من مكالمتها وتقدمت نحوها:
- أهلا بحضرتك أنا منة مُدرسة الأحياء.
أردفت كوثر بابتسامة:
- وأنا كوثر مُدرسة اللغة العربية.
منة فتاةً مُتزوجة في نهاية العشرينات مُحجبة وترتدي زيًا رسميًا ببنطالٍ واسِع .. أردفت بنبرة لطيفة:
- إنتِ هنا بدل شيريهان صح؟
ردت كوثر بابتسامة:
- إن شاء الله.
كادت منة أن تتحدث ولكن انتبهت الإثنتان لدخول أحدًا للمكتب ولم يَكُن سوى زوج منة السيد جابر مُعلم الرياضيات الذي قد نسي شيئًا ما بمكتبه..
- نسيت حاجة يا جابر؟
- اه الأجندة ياحبيبتي خلاص لقيتها هرجع للفصل.
هزت رأسها بابتسامة وخرج مُسرِعًا من المكتب والتفتت نحو كوثر التي تُطالعها بريبة وتحدثت منة بنبرة لطيفة:
- ده جوزي جابر مدرس الرياضيات.
تحدثت كوثر بابتسامة:
- اللهم بارك، ربنا يباركلكم في بعض.
تحدثت منة بابتسامة:
- آمين.
- ممكن تقوليلي أروح الحمام منين، محتاجة أظبط هدومي؟
- أكيد طبعا بصي الحمامات في الدور الأرضي هنا....
شرحت لها منة الطريق وهزت رأسها ودخلت حمام الفتيات بالخطأ وليس حمام المعلمات .. وهي موجودة بأحد المراحيض تقوم بضبط ثيابها حيث أنها شعرت أن البنطال الذي ترتديه أسفل الثوب أصبح يُضايقها انتبهت على صوت إحدى الفتيات بالخارج تتحدث مع إحدى صديقاتها ..
- هو واقف مستنيني بره، لو حد سأل عليا قوليله أنا في الحمام مثلا وبطني وجعاني.
- ماشي، هتهربي من شباك الحمام؟
- اه زي كل مرة، هي ساعة وهرجع علطول أستنى بابي قدام المدرسة.
عقدت كوثر حاجبيها بسبب ما يحدث وانتبهت لدخول أحد المرحاض الذي بجانبها وسمعت صوت فتح النافذة وبعد عدة ثوانٍ أصبح لا يوجد صوت! خرج من المرحاض الذي كانت به ودخلت للذي كان بجانبها وكان مفتوحًا وأيضًا النافذة مفتوحة .. صعدت على المرحاض ورأت تلك الفتاة التي كانت ترقص أمام هاتفها في الفصل اليوم كانت تُمسك بيد شابٍ ويهرولان في مشيتهما .. نزلت من مكانها ثم خرجت من الحمام بذهول .. لا تعرف كيف تتصرف وهي ترى منكرًا يحدث أمامها! ولكنها لم تستطع فعل أي شيء سوى الدعاء لتلك الفتاة بالهداية .. وعادت لغرفة مكتبها تنتظر الساعة المتبقية للإنصراف ولكن بداخلها شعورٌ بالذنب أنها لم تستطع أن تتصرف فيما رأته .. وبدع ساعة دق جرس المدرسة يُعلن عن انتهاء الحصة الأخيرة في اليوم الدراسي الأول.
يتبع